اكتئاب ما بعد الولادة: أسباب، أعراض وعلاج

اكتئاب ما بعد الولادة هو حالة صحية نفسية تؤثر على بعض الأمهات بعد الولادة. إنه أكثر من مجرد تقلبات مزاجية مؤقتة. إذ يمكن أن يكون له تأثير كبير على الصحة النفسية والجسدية للأم، وكذلك على علاقتها بطفلها وعائلتها. قد تشعر بعض النساء بالحزن والقلق والإرهاق الشديد، وفي بعض الحالات قد يشعرن بعدم القدرة على العناية بطفلهن. على الرغم من أن هذه الحالة شائعة، إلا أنها غالباً ما يتم تجاهلها بسبب نقص الوعي أو الخوف من وصمة اجتماعية. في هذه المقالة، سنناقش بالتفصيل أسباب اكتئاب ما بعد الولادة، أعراضه، عوامل الخطر، تأثيره على الأم والطفل، وكذلك أساليب العلاج والوقاية.

أسباب اكتئاب ما بعد الولادة

اكتئاب ما بعد الولادة هو حالة معقدة تنشأ من تفاعل العوامل النفسية والجسدية والبيئية التي تؤثر على النساء خلال هذه المرحلة الحساسة. ليس هناك سبب واحد لهذه الحالة، بل هي نتيجة مزيج من العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تجعل بعض الأمهات أكثر عرضة للاكتئاب من غيرهن. فيما يلي توضيح أكثر تفصيلاً لهذه الأسباب:

التغيرات الهرمونية والجسدية

بعد الولادة، يمر جسم المرأة بتغيرات هرمونية مفاجئة. تنخفض مستويات الاستروجين والبروجستيرون، التي كانت مرتفعة أثناء الحمل، بشكل حاد بعد الولادة. يمكن أن يؤثر هذا التغيير المفاجئ بشكل كبير على كيمياء الدماغ ويؤدي إلى اضطرابات مزاجية شديدة، مما يجعل الأم أكثر عرضة للاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، تتأثر هرمونات أخرى بعد الولادة، مثل هرمونات الغدة الدرقية، التي قد تنخفض لدى بعض النساء، مما يؤدي إلى شعور بالإرهاق والاكتئاب وصعوبة في التركيز. علاوة على ذلك، قد لا يتم إفراز الأوكسيتوسين، الهرمون المرتبط بالارتباط العاطفي مع الطفل، بشكل طبيعي لدى بعض الأمهات، مما يجعل من الصعب عليهن الشعور بالارتباط العاطفي مع أطفالهن. من الناحية الجسدية، فإن الولادة نفسها هي تجربة مرهقة تتطلب فترة تعافي قد تكون طويلة، خاصة إذا ظهرت مضاعفات مثل النزيف الحاد أو الولادة القيصرية الطارئة. يمكن أن تؤدي الألم المزمن، والإرهاق الجسدي، وقلة النوم بسبب رعاية الطفل الجديد إلى زيادة الضغوط النفسية والمساهمة في اكتئاب ما بعد الولادة.

العوامل النفسية والعاطفية

بعد الولادة، تخضع الأم لضغوط نفسية هائلة بسبب المسؤوليات الجديدة الملقاة عليها. يصبح المولود هو محور حياتها، وقد تشعر بالقلق من عدم قدرتها على تلبية احتياجات الطفل بشكل صحيح. يواجه بعض الأمهات صعوبة في التكيف مع التغيرات التي تحدث في حياتهن بعد الولادة، مما يزيد من مشاعر القلق والتوتر.

من ناحية أخرى، يلعب تصور الذات دورًا كبيرًا في التأثير على الحالة النفسية للأم. بعد الولادة، قد تشعر بعض النساء بتغيرات في أجسادهن، مثل زيادة الوزن أو ترهل الجلد، مما قد يؤدي إلى انخفاض الثقة بالنفس والشعور بعدم الجاذبية. قد تتفاقم هذه المشاعر إذا شعرت الأم أنها غير قادرة على العودة إلى روتينها السابق أو ممارسة الأنشطة التي كانت تحبها قبل الولادة.

بالإضافة إلى ذلك، قد تشعر بعض الأمهات بالذنب إذا لم يشعرن بمشاعر حب وارتباط فورية تجاه أطفالهن، مما قد يسهم في زيادة مشاعر القصور في دورهن كأمهات. هذا أمر شائع لكنه قد يكون مرهقًا نفسيًا إذا لم تحصل الأم على الدعم الكافي والإرشاد لتجاوز هذه المشاعر الطبيعية.

الضغوط الاجتماعية والبيئية

يلعب البيئة الاجتماعية والعائلية دوراً حاسماً في صحة الأم النفسية بعد الولادة. إذا كان هناك نقص في الدعم من الشريك أو العائلة، قد تشعر الأم بالعزلة والوحدة، مما يمكن أن يزيد من أعراض الاكتئاب.

علاوة على ذلك، يمكن أن تزيد التوقعات المجتمعية غير الواقعية بشأن الأمومة، مثل الحاجة إلى أن تكون الأمهات دائماً سعيدات وقادرات على إدارة كل شيء بمفردهن، من مشاكل الفشل عندما يواجهن صعوبات.

قد تتأثر العلاقات الزوجية أيضاً بعد الولادة، حيث يواجه بعض الأزواج تحديات في التكيف مع وجود طفل جديد في الأسرة. يمكن أن يؤدي نقص التواصل بين الزوجين، والتعب المستمر، وتناقص الحميمية إلى توتر في العلاقة، مما يزيد من الضغوط النفسية على الأم.

قد تلعب العوامل الاقتصادية أيضاً دوراً في زيادة احتمالية الاكتئاب، حيث قد تشعر بعض الأمهات بالقلق بشأن تكاليف تربية الطفل، خاصة إذا كانت الحالة المالية للأسرة غير مستقرة. كما قد تواجه بعض النساء ضغوطاً للعودة إلى العمل بسرعة بعد الولادة، مما يضيف مزيداً من التوتر ويصعب موازنة العمل مع مسؤوليات تربية الطفل.

اكتئاب ما بعد الولادة
اكتئاب ما بعد الولادة

الأعراض والعلامات


يختلف اكتئاب ما بعد الولادة من امرأة إلى أخرى، حيث تظهر الأعراض بدرجات متفاوتة من الشدة وتؤثر على الحياة اليومية. في بعض الحالات، قد يكون الاكتئاب خفيفاً، مما يسمح للأم بأداء مهامها اليومية بصعوبة، بينما في حالات أخرى، قد يكون شديداً، مما يتركها غير قادرة على العناية بنفسها أو بمولودها. من المهم التعرف على هذه الأعراض مبكراً للحصول على الدعم اللازم قبل أن تتفاقم الحالة.

الأعراض العاطفية والنفسية

تعاني الأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة من مجموعة من الأعراض العاطفية والنفسية التي تؤثر بشكل كبير على مشاعرهن وسلوكياتهن. من أبرز هذه الأعراض:

  • الحزن المستمر والبكاء: تشعر الأم بحزن عميق وغير مبرر، وقد تجد نفسها تبكي بدون سبب واضح أو بسبب أمور تافهة. يكون هذا الحزن مستمراً أو دورياً، ولا يتحسن مع مرور الوقت.
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية: تفقد الأم الاهتمام بالأشياء التي كانت تحبها، مثل الهوايات، أو التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء، أو حتى قضاء وقت مع طفلها. يصبح كل شيء عبئاً، ولا تشعر بأي فرح أو متعة في حياتها.
  • الخوف المفرط: يصبح القلق جزءاً من روتين الأم اليومي، حيث تشعر بخوف غير مبرر على صحة طفلها أو صحتها الشخصية، وقد تتخيل أسوأ السيناريوهات حتى في الظروف العادية. يمنعها هذا القلق من الاستمتاع بأي لحظة أو الشعور بالراحة.
  • التهيج والإحباط: تصبح الأم سريعة الغضب والانزعاج، حتى بسبب أمور صغيرة، وقد تجد نفسها تصرخ في وجه طفلها أو شريكها بدون سبب واضح. في بعض الأحيان، يرتبط هذا التهيج بالإرهاق البدني والضغط النفسي الذي تمر به.
  • مشاعر الذنب وعدم الجدوى: كثير من الأمهات يشعرن بإحساس عميق بعدم الكفاءة كأمهات، ويعتقدن أنهن لا يقدمون الرعاية الكافية لأطفالهن. قد تتحول هذه المشاعر إلى لوم ذاتي وشعور بعدم استحقاق الأمومة.
  • أفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل: في الحالات الشديدة، قد تفكر الأم في إيذاء نفسها بسبب الاكتئاب الشديد، أو قد تشعر بعدم رغبة في العناية بطفلها. هذه الأفكار خطيرة للغاية وتتطلب تدخلاً طبيًا فوريًا.

الأعراض الجسدية والسلوكية

لا يؤثر اكتئاب ما بعد الولادة فقط على المشاعر، بل يمتد أيضاً إلى الحالة الجسدية والسلوكيات اليومية للأم، مما يسهل ملاحظة التغيرات التي تمر بها. من بين الأعراض الأكثر شيوعاً:

  • الإرهاق الشديد: تشعر الأم بالتعب المستمر حتى بعد النوم وتبدو مرهقة بشكل عام، مما يجعل من الصعب عليها أداء الأنشطة اليومية أو العناية بطفلها.
  • اضطرابات النوم: قد تعاني الأم من الأرق ولا تستطيع النوم حتى عندما يكون طفلها نائماً، أو بالعكس، قد تنام لفترات طويلة وتشعر بالخمول المزمن.
  • فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام: بعض الأمهات يفقدن اهتمامهن بالطعام، مما يؤدي إلى فقدان الوزن وقلة الطاقة، بينما قد تلجأ أخريات إلى الإفراط في الأكل كطريقة للهروب من المشاعر السلبية، مما قد يؤدي إلى زيادة الوزن غير الصحية.
  • صعوبة التركيز واتخاذ القرارات: تصبح المهام البسيطة، مثل اتخاذ القرارات اليومية أو تذكر الأمور العادية، صعبة جداً، وتشعر الأم وكأن ذهنها ضبابي وغير قادر على التفكير بوضوح.
  • الانسحاب الاجتماعي: تفقد الأم اهتمامها بالتفاعل مع الآخرين وتفضل العزلة، وتجنب المحادثات مع العائلة أو الأصدقاء، مما يزيد من شعورها بالوحدة.
اكتئاب
اكتئاب

متى يجب طلب المساعدة الطبية؟

على الرغم من أن بعض الأعراض قد تكون طبيعية في الأيام الأولى بعد الولادة بسبب التعب والضغط النفسي، إلا أنه من المهم مراقبة شدة تأثير هذه الأعراض على الحياة اليومية. يُنصح بطلب المساعدة من طبيب أو مختص في الصحة النفسية في الحالات التالية:

  • إذا استمرت الأعراض لأكثر من أسبوعين دون تحسن.
  • إذا أثرت الأعراض على قدرة الأم على العناية بالطفل أو أداء الأنشطة اليومية.
  • إذا كانت الأم تعاني من أفكار إيذاء النفس أو إيذاء الطفل.
  • إذا كانت هناك عزلة اجتماعية شديدة ورفض للتحدث مع أي شخص.
  • إذا شعرت الأم بأنها غير قادرة على التعامل مع مشاعرها أو التحكم فيها.

العوامل التي تزيد من خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة

يؤثر اكتئاب ما بعد الولادة على بعض النساء أكثر من غيرهن، وذلك نتيجة لمجموعة من العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة به. هذه العوامل لا تعني بالضرورة أن الأم ستعاني من الاكتئاب، ولكنها تجعلها أكثر عرضة، خاصة إذا تجمعت عدة عوامل معاً. وفيما يلي شرح مفصل لهذه العوامل:

التاريخ الشخصي أو العائلي للاكتئاب

إذا كانت الأم قد عانت سابقاً من الاكتئاب أو اضطرابات القلق، سواء خلال حياتها أو في حمل سابق، فإن احتمال إصابتها باكتئاب ما بعد الولادة يكون أعلى. النساء اللاتي مررن بفترات اكتئاب سابقة قد يكنّ أكثر حساسية للتغيرات الهرمونية والعاطفية التي تحدث بعد الولادة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يزيد وجود تاريخ عائلي للاكتئاب، مثل وجود أحد الوالدين أو الأشقاء الذين عانوا من هذا المرض، من الخطر، بسبب العوامل الوراثية والبيئية المشتركة التي تلعب دورًا في اضطرابات المزاج.

نقص الدعم الاجتماعي

يعد الدعم الاجتماعي من أهم العوامل التي تساعد الأم على التكيف مع التغيرات الكبيرة التي تحدث بعد الولادة. إذا لم تتلقى الأم الدعم الكافي من شريكها أو عائلتها أو أصدقائها. قد تشعر بالعزلة والوحدة. مما يزيد من الضغط النفسي الذي تتعرض له.
بعض الأمهات يجدن أنفسهن مضطرات لتحمل مسؤوليات الأمومة بمفردهن. إما بسبب غياب شريكهن، أو ضعف التواصل والدعم من العائلة، أو العيش في بيئة جديدة بعيدة عن الأقارب. جميع هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى مشاعر العجز عن التكيف، مما يزيد بدوره من احتمال الإصابة بالاكتئاب.

المشاكل الصحية أثناء الحمل أو بعد الولادة

إذا تعرضت الأم لمشاكل صحية أثناء الحمل أو الولادة، فإن ذلك قد يضعها في حالة من الضغط والتوتر، مما يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب بعد الولادة. بعض من هذه المشاكل تشمل:

  • العملية القيصرية الطارئة: قد تشعر بعض الأمهات بالإحباط أو بالفشل إذا احتجن إلى عملية قيصرية بدلاً من الولادة الطبيعية، خاصة إذا كانت غير متوقعة.
  • النزيف الشديد بعد الولادة: قد يؤدي ذلك إلى ضعف جسدي كبير، مما يجعل التعافي صعباً. مما يزيد من مشاعر التعب والاكتئاب.
  • الولادة المبكرة أو مشاكل صحية مع الطفل: إذا كان الطفل يحتاج إلى رعاية طبية خاصة أو قضى وقتاً في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة. قد تشعر الأم بقلق وتوتر مستمر بشأن صحة طفلها، مما يضعها تحت ضغط نفسي هائل.
اكتئاب ما بعد الولادة
اكتئاب ما بعد الولادة

عوامل أخرى قد تزيد من المخاطر:

بالإضافة إلى العوامل الرئيسية، هناك أسباب أخرى قد تساهم في زيادة خطر الاكتئاب بعد الولادة، مثل:

  • الضغط الحياتي والمشاكل المالية: قد يزيد التوتر المرتبط بتكاليف المعيشة وتربية الأطفال من القلق والخوف.
  • الحمل غير المخطط له: قد تجعل الحمل غير المخطط الأم تشعر بأنها غير مستعدة عاطفياً أو نفسياً لاستقبال الطفل.
  • التغيرات الهرمونية الشديدة: بعض النساء يكنّ أكثر حساسية لانخفاض هرمونات الحمل بعد الولادة، مما يجعلهن أكثر عرضة للاكتئاب.

مدة الاكتئاب بعد الولادة

لا توجد مدة ثابتة للاكتئاب بعد الولادة، حيث يختلف من امرأة لأخرى بناءً على شدة الأعراض والعوامل المحيطة. ومستوى الدعم والعلاج الذي تحصل عليه.
في الحالات المعتدلة، قد تستمر الأعراض لبضعة أسابيع، وغالباً ما تتحسن الأم تدريجياً مع الدعم العاطفي من العائلة والراحة البدنية. ومع ذلك، إذا كان الاكتئاب أكثر شدة، فقد يستمر لعدة أشهر، خاصة إذا تأخرت التدخلات العلاجية.
في حالات نادرة، إذا تُرك الاكتئاب بعد الولادة دون علاج أو لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. فقد يتطور إلى اكتئاب مزمن يستمر لسنوات، مما يؤثر على جودة حياة الأم وعلاقتها مع طفلها ومع الآخرين من حولها. لذلك، من الضروري عدم تجاهل الأعراض وطلب الدعم الطبي عند الحاجة لتقليص مدة الاكتئاب وضمان التعافي السريع.

التأثير على الأم والطفل

لا يؤثر الاكتئاب بعد الولادة على مشاعر الحزن أو القلق لدى الأم فحسب، بل يؤثر أيضاً على علاقتها مع طفلها وعائلتها، مما قد يؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.

التأثير على العلاقة مع الطفل

عندما تعاني الأم من الاكتئاب بعد الولادة، قد تجد صعوبة في التواصل العاطفي مع طفلها. قد تشعر باللامبالاة أو بالعجز عن تلبية احتياجات الطفل بالطريقة المطلوبة. يمكن أن يؤثر هذا الفقدان في التفاعل العاطفي على التطور النفسي والعاطفي للطفل. حيث يعتمد الأطفال في الغالب على استجابة أمهاتهم لمشاعرهم واحتياجاتهم
في بعض الحالات، قد يكون الطفل أكثر عرضة لمشاكل سلوكية وتوترية في المستقبل إذا لم يتلقَ رعاية عاطفية كافية في الأشهر الأولى من حياته. قد يواجه الطفل صعوبة في تكوين روابط آمنة مع الآخرين، خاصة إذا كانت العلاقة مع الأم ضعيفة أو غير مستقرة.

التأثير على الحياة الأسرية والزوجية

يؤثر الاكتئاب بعد الولادة ليس فقط على الأم، بل أيضاً على الديناميكية الأسرية والعلاقة بين الزوجين. قد تجعل مشاعر الحزن والقلق المستمرة لدى الأم من التواصل مع شريكها أمراً صعباً. مما يؤدي إلى توتر في العلاقة الزوجية.
أحيانًا، قد يشعر الزوج بالعجز أو بعدم القدرة على فهم مشاعر زوجته، مما يخلق فجوة بينهما. قد يؤدي ذلك إلى نزاعات زوجية، خاصة إذا كان هناك نقص في التواصل والدعم العاطفي. بالإضافة إلى ذلك، قد يزيد العبء الإضافي الذي قد يتحمله الزوج بسبب تقليص دور الأم في رعاية الطفل والأسرة من الضغوط الأسرية.
لذلك، من المهم توفير بيئة داعمة للأم من الشريك والعائلة. وتعزيز التواصل المفتوح بين الزوجين لفهم المشاعر والتحديات التي تواجهها الأم خلال هذه المرحلة. يلعب الدعم النفسي والاجتماعي دوراً حاسماً في تقليل التأثيرات السلبية للاكتئاب بعد الولادة وضمان استقرار الأسرة ورفاهيتها النفسية.

علاج الاكتئاب بعد الولادة

يمكن علاج الاكتئاب بعد الولادة بعدة طرق. حيث يتم تحديد العلاج المناسب بناءً على شدة الأعراض وتأثيرها على حياة الأم وعلاقتها بطفلها. يعد التدخل المبكر أمراً بالغ الأهمية لمنع تدهور الحالة. وعادة ما يتضمن خطة العلاج مزيجاً من طرق مختلفة لضمان التعافي الكامل.

التشخيص المبكر وأدوات التقييم

يساعد التشخيص المبكر في إدارة الاكتئاب قبل أن يصبح أكثر تعقيداً. يعتمد الأطباء على:

  • الاستبيانات النفسية: مثل “مقياس الاكتئاب بعد الولادة في إدنبرة”، الذي يساعد في تقييم الأعراض وشدتها.
  • الفحص الطبي: يقوم الطبيب بإجراء مقابلة مفصلة مع الأم لفهم كيف تؤثر الأعراض على حياتها اليومية وعلاقتها بطفلها، وإذا كانت هناك أفكار سلبية مثل إيذاء نفسها أو عدم القدرة على رعاية الطفل.
  • الفحوصات الطبية: في بعض الحالات، يتم إجراء فحوصات للكشف عن الاضطرابات الهرمونية مثل مشاكل الغدة الدرقية التي قد تؤثر على المزاج.

العلاج الدوائي

في الحالات الشديدة، قد يصف الطبيب مضادات الاكتئاب، خاصة إذا كانت الأعراض تعيق قدرة الأم على أداء مهامها اليومية. النقاط الرئيسية حول العلاج الدوائي تشمل:

  • اختيار الدواء المناسب: بعض مضادات الاكتئاب تعتبر آمنة للغاية أثناء الرضاعة، لكن يجب استخدامها تحت إشراف مختص.
  • مدة العلاج: عادة ما تستغرق الأدوية عدة أسابيع لإظهار نتائجها، ويعد الالتزام بتوجيهات الطبيب أمرًا بالغ الأهمية.
  • الآثار الجانبية: قد تسبب بعض الأدوية آثاراً جانبية مثل النعاس أو التغيرات في الشهية، لذا من المهم مراقبة استجابة الجسم للعلاج.

العلاج النفسي والدعم الاجتماعي

يعد العلاج النفسي أحد أكثر الطرق فعالية للتعامل مع الاكتئاب بعد الولادة. حيث يساعد في تحسين الحالة النفسية للأم وتعزيز الأساليب الإيجابية للتعامل مع مشاعرها.

  • العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يساعد الأم على اكتشاف وتغيير أنماط التفكير السلبية، مما يحسن مزاجها ويقلل من القلق والإحباط.
  • العلاج الجماعي: قد يكون الانضمام إلى مجموعات دعم للأمهات اللاتي مررن بتحديات مشابهة مفيداً، حيث يشعر الأم بأنها ليست وحدها.
  • الدعم العائلي والاجتماعي: يساعد الدعم من الشريك والأصدقاء والعائلة في تقليل الضغط النفسي ويسمح للأم بالراحة والتركيز على العناية بنفسها.
اكتئاب ما بعد الولادة
اكتئاب ما بعد الولادة

كيفية الوقاية وتقليل المخاطر

على الرغم من أن الاكتئاب بعد الولادة قد لا يكون دائماً قابلاً للوقاية. إلا أن هناك بعض الإجراءات التي يمكن أن تقلل من المخاطر وتساعد الأم على التكيف بشكل أفضل مع مرحلة ما بعد الولادة.

دور الرعاية الصحية أثناء الحمل وبعد الولادة

  • يجب على النساء الحوامل إجراء فحوصات منتظمة مع طبيبهن لمتابعة الصحة البدنية والنفسية ومناقشة أي مشاعر مبكرة للقلق أو الاكتئاب.
  • بعد الولادة، من المهم إجراء فحوصات نفسية منتظمة للتأكد من أن الأم لا تعاني من أعراض اكتئابية غير مشخصة.

أهمية الدعم النفسي والاجتماعي

  • يجب على الأمهات عدم التردد في مشاركة مشاعرهن وقلقهن مع الشريك أو العائلة. حيث يساعد التعبير عن المشاعر في تخفيف التوتر.
  • يمكن للأمهات البحث عن مجموعات دعم أو استشارة متخصص في الصحة النفسية إذا شعرتن أنهن بحاجة إلى مساعدة إضافية.

تبني العادات الصحية للحفاظ على التوازن العقلي

  • التمرين: حتى المشي الخفيف يوميًا يمكن أن يحسن المزاج ويقلل من التوتر.
  • الحصول على قسط كافٍ من النوم: قد يكون النوم صعبًا مع وجود طفل حديث الولادة. ولكن يمكن للأم محاولة أخذ استراحات قصيرة عندما ينام الطفل.
  • اتباع نظام غذائي صحي: تناول الأطعمة الغنية بالفيتامينات والمعادن، مثل الفواكه والخضروات والبروتينات، يساهم في تحسين المزاج.

يعد الاكتئاب بعد الولادة حالة شائعة، ولكن يمكن علاجه إذا تم التعامل معه بشكل صحيح. من الضروري رفع الوعي حول هذه الحالة وكسر الصمت حول طلب المساعدة. يلعب الدعم العائلي والاجتماعي دورًا حاسمًا في تحسين الصحة النفسية للأم، مما يعزز بدوره علاقتها بطفلها وعائلتها. من خلال فهم عميق لهذا النوع من الاكتئاب واتخاذ خطوات وقائية وعلاجية مناسبة. يمكن للأمهات التغلب على هذه المرحلة والعودة إلى حياتهن الطبيعية بطاقة إيجابية وسعادة.

المراجع:

اقرأ أيضاً:
حركة الجنين: لغة التواصل الأولى بين الأم وطفلها

اترك تعليقاً