الاضطراب الاكتئابي (الاكتئاب) : هل هو مرض حقاً ؟

أصبح الاضطراب الاكتئابي شائعاً إلى الحد الذي يمكن أن يؤثر سلباً على جودة الحياة والصحة العامة للأشخاص المتأثرين به. وعلى الرغم من انتشاره، إلا أن الكثيرين يجدون صعوبة في تقبله، وفي التعامل معه. ويرجع هذا إلى الثقافة المجتمعية التي تصم المرض النفسي وتقوم بتكذيبه. فمن بين كل عشر أصوات تتحدث عن الاكتئاب، ستجد تسعة منهم يرددون أنه يحدث بسبب نقص الإيمان، وضعف الشخصية.

إلا أن هذا ليس صحيحاً، فالاكتئاب مرض مثل بقية الأمراض الأخرى. وهو في طريقه ليصبح أحد المعوقات الرئيسية التي تؤثر على سلامة الفرد والمجتمعات. في هذا المقال سنعرف أسباب الاكتئاب، وكيف نقي أنفسنا منه؟

  • الاضطراب الاكتئابي، أو الاكتئاب هو حالة مزاجية مرضية تتسم بالحزن المستمر، فقدان الاهتمام والاستمتاع بالأنشطة اليومية، وعدد من الأعراض النفسية والجسدية الأخرى.
  • يمكن أن يؤثر الاكتئاب بشكل كبير على الوظائف الحياتية، والعلاقات الاجتماعية، وعلى الحالة الجسدية أيضاً.
  • في الحالات الشديدة، يصبح الاكتئاب خطراً يستدعي التعامل الفوري، لأنه قد يدفع المريض إلى أفكار وسلوكيات حادة مثل إيذاء نفسه أو القيام بالانتحار.
  • يصنف الاضطراب الاكتئابي كواحد من الأمراض العصابية (Neurotic Disorders)، وتشمل بعض الاضطرابات مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري. وقد تم تعريفها بهذا الاسم ليكون الفرق واضحاً بينها وبين الأمراض الذهانية، والتي يعاني فيها المريض من أعراض مختلفة تماماً مثل الهلاوس والضلالات.

بشكل عام، يمكن القول أنه لا يوجد سبب وحيد يؤدي إلى الاكتئاب. وهذه القاعدة متبعة في أغلب الأمراض العقلية، فالأسباب يتم تحديدها وفقاً لمجموعة من العوامل التي يمكن تقسيمها إلى أسباب بيولوجية، اجتماعية، ونفسية، سنحاول هنا تطبيق هذه القاعدة على الاضطراب الاكتئابي:

أسباب الاكتئاب: العوامل البيولوجية:

  1. تلعب الجينات والوراثة دوراً هنا. وجود تاريخ مرضي عائلي، يرجح احتمالية الإصابة بالاضطراب الاكتئابي.
  2. تطرح الأبحاث العلمية بعض النظريات المثيرة، والتي تحاول توضيح أسباب الاختلاف بين الأفراد في التعامل مع الضغوطات والاستجابة للمواقف. ربما يدهشك معرفة أن هذا أيضاً يمكن توريثه ونقله عبر الأجيال من خلال الكروموسومات. هذا يعني أن طريقة تفكيرك ونظرتك إلى العالم والمواقف التي تحدث لك، جزء منها يمتد إلى تاريخ بعيد.
الاضطراب الاكتئابي يحدث بسبب خلل في كيمياء الدماغ.

الاضطراب الاكتئابي كمرض عضوي:

يفصل الكثيرون بين المرض النفسي والمرض العضوي، بينما في الحقيقة، يكون المرض النفسي عضوياً بحد ذاته. لتبسيط الأمور: حسب الأبحاث العلمية، فالاكتئاب يحدث نتيجة خلل في التوازن الكيميائي في المخ، والذي يعد واحداً من أعضاء الجسم، لهذا نقول أن الاكتئاب ليس مرضاً نفسيا فقط، بل هو مرض عضوي.

يتمثل هذا الخلل في نقص مستويات السيروتونين، النورأدرينالين والدوبامين. وهذه الهرمونات أو الناقلات الكيميائية، مسؤولة عن الشعور بالسعادة وتحسن المزاج، والإحساس بالمتعة. ولذلك، سنرى لاحقًا أن العلاجات الدوائية تعتمد على زيادة مستويات هذه المواد الكيميائية، فيعود الشخص إلى الشعور بشكل طبيعي مرة أخرى.

أسباب الاكتئاب: العوامل الاجتماعية:

تلعب العوامل البيئية والاجتماعية دوراً مهماً في زيادة خطر الإصابة بالاضطراب الاكتئابي. قد تشمل هذه العوامل:

  • العزلة الاجتماعية
  • العلاقات العائلية المتوترة
  • التمييز الاجتماعي، والفقر
  • العوامل الثقافية والمجتمعية الأخرى (مثل الاكتئاب هو نقص في التدين)
  • ظروف صعبة مثل الطلاق، فقدان الأحباء والتعثر في الوظيفة
قد تؤدي الظروف المحيطة إلى الإصابة بالاكتئاب

أسباب الاكتئاب: العوامل النفسية:

يقصد بالعامل النفسي الشخصية والأفكار وما يشكلهم. ويضم هذا العديد من النقاط مثل الصفات الشخصية، القدرة على تحمل الضغوط، كيفية التعامل مع المشاكل (المواجهة أم الانسحاب؟)، طرق التربية وتفاعل الفرد مع البيئة المحيطة، الثقة بالنفس وتقدير الذات.

  • يعاني نحو 200 مليون شخص حول العالم من الاكتئاب.
  • تزداد نسب الإصابة في النساء عن الذكور.
  • يبلغ عدد حالات الانتحار سنويًا نحو 700 ألف حالة.
  • من بين الأسباب الرئيسية للوفاة، يحتل الانتحار المرتبة الرابعة في أسباب وفيات الأشخاص من عمر 15 إلى 29 سنة.

الاكتئاب ليس نقصًا في الدين!

ينتشر هذا المعتقد في الدول العربية أكثر من الدول الأجنبية، نظراً لتاريخ المنطقة العربية القديم، وتقديسها للروحانيات والأديان. لهذا، كثيراً ما يعاني المكتئب من سماع هذه العبارات والنصائح التقليدية. غالباً، ترتكز هذه القناعات في أذهان كبار السن، وبدورهم يقوموا بتقديم النصائح مثل احرص على الصلاة، والالتزام بالدين وستنصلح جميع الأحوال.

إلا أن هذا ليس حقيقيًا. كما ذكرنا، فالاكتئاب يحدث بسبب خلل في كيمياء الدماغ، وهذا ما يجعله مثل بقية الأمراض العضوية الأخرى التي تستدعي مساعدة طبية محترفة، ولا يساعد هنا مجموعة نصائح تعتمد على التقاليد وتراكم الخبرات. على العكس، قد تؤدي تلك النصائح إلى تفاقم المشكلة، وزيادة الشعور بالذنب، وتزيد من حدة المشاعر السلبية.

الاكتئاب لا يعني ضعف الشخصية!

على الرغم من أن أعراض الاضطراب الاكتئابي قد تسبب الكثير من المشاعر السلبية مثل الشعور بالهزيمة، الشلل التام والعجز عن القيام حتى بأبسط المهمات. إلا أن هذا لا يعني ضعفاً أبداً! ما يحدث هنا أن المكتئب لا يجد من يصدقه! بعض الناس قد لا يصدق أن المكتئب بالفعل لا يملك الطاقة للنهوض، بل هم لا يرون الاكتئاب مرضاً من الأساس. وهذا يدفع المريض إلى دائرة سامة من السلبية وجلد الذات، ويزداد الشعور بالألم.

ما يجعل من الاضطراب الاكتئابي مرضاً متوحشاً، هو قدرته على جعل المريض يفكر أنه هكذا، أن الاكتئاب هو حقيقته. وهذا يحدث بسبب ازدياد الأفكار السلبية عن الذات، والنظرة المتشائمة إلى العالم. وهنا يأتي دور العلاج النفسي في تغيير الأفكار والسلوك. ومتى يبدأ المكتئب في التحسن، يستطيع حينها رؤية حقيقته، أنه ليس بهذا السوء، وأن الأفكار السلبية هي من طبيعة المرض.

الوقاية من الاكتئاب
  1. الاهتمام بالذات: يجب أن يكون الاهتمام الذاتي والرعاية الشخصية جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية للوقاية من الاكتئاب. يشمل ذلك النوم الجيد والتغذية المتوازنة وممارسة النشاط البدني بانتظام.
  2. التعامل مع الضغوط بطريقة صحية: يمكن أن تساعد التقنيات الاسترخائية مثل التأمل واليوغا في تهدئة العقل وتقليل التوتر. ينبغي أيضاً العناية براحة العقل والجسد من خلال القيام بالأنشطة التي تستمتع بها وتمنحك السعادة والراحة.
  3. مصادر الدعم: يلعب التواصل الاجتماعي دوراً حاسماً فيالدعم النفسي. قم بالاستفادة من العلاقات الاجتماعية القوية والدعم الاجتماعي من الأصدقاء والعائلة والزملاء. حافظ على الاتصال والتواصل النشط مع الآخرين، وشارك في الأنشطة المجتمعية والمجموعات التي تهتم بها. إذا شعرت بالوحدة أو العزلة، فقد تكون هناك خدمات دعم نفسي متاحة، مثل الاستشارة النفسية أو المجموعات التحفيزية، يمكنها توفير الدعم والمساعدة.
  4. طلب المساعدة: في حالة الشعور بالاكتئاب أو عدم القدرة على التعامل مع الصعوبات النفسية بمفردك، ينبغي أن تبحث عن المساعدة المهنية. استشر طبيباً نفسياً مؤهلاً لتقييم حالتك وتقديم الدعم والعلاج المناسب.

Menna Alaa

طبيبة نفسية وكاتبة محتوى.
زر الذهاب إلى الأعلى